لأستاذة زكية برغوث
منذ أن نشب الصراع بين الكنيسة وحركة النهضة الحديثة في أوروبا ، وانتصار هذه الأخيرة في معركتها وتمكنها من حصر الدين في الكنائس وفي قلوب الناس ، وإبعاده عن الحياة الاجتماعية عامة والسياسية منها خاصة ، ومحاولة تصدير الفكرة العلمانية إلى بقية أجزاء العالم بعد ذلك ، ومنها المجتمعات الإسلامية .. منذ ذلك الحين والدين يعيش حالة تشويش وتشويه لأبعاده الاجتماعية بصفة خاصة ، بالرغم من الغنى الكبير للدين بالقيم الاجتماعية الضرورية للحياة الإنسانية ، وخاصة الدين الإسلامي الذي تترابط فيه الجوانب العقائدية والروحية والعبادية والأخلاقية مع الجوانب الاجتماعية بشكل كبير جدا ، لا يمكن فصلها عن بعضها البعض بأي حال من الأحوال . وإذا تم فصلها بشكل تعسفي ، فإن آثارا سلبية شتى تترتب على ذلك في الحياة النفسية والروحية والاجتماعية للإنسان والمجتمع .
فالدراسات المعمقة في علم الاجتماع الديني ، تؤكد مدى الارتباط الوثيق ” بين طبيعة ( النظام الاجتماعي وطبيعة التصور الاعتقادي .. بل هنالك ما هو أكبر من الارتباط الوثيق . هنالك الانبثاق الحيوي: انبثاق النظام الاجتماعي من التصور الاعتقادي.. فالنظام الاجتماعي بكل خصائصه هو أحد انبثاقات التصور الاعتقادي؛ إذ هو ينبت نباتاً حيويا وفطريا، ويتكيف بعد ذلك تكيفاً تاما بالتفسير الذي يقدمه ذلك التصور للوجود، ولمركز الإنسان في هذا الوجود، ولغاية وجوده الإنساني.