تقرير عن المؤتمر العالمي عن
مشكلة الفقر في العالم الإسلامي والمجتمعات: الأسباب والحلول
أ. امينة قاسم
نال المؤتمر الذي نظمه المعهد العالمي لوحدة الأمة الإسلامية نجاحا باهرا سواء من حيث تقديم البحوث على نطاق واسع ، أو من حيث عدد المشاركين فيه. وكانت البحوث المقدمة متنوعة، قيمة ومثيرة للتفكير منها ستة بحوث رئيسية: ثلاثة باللغة الإنجليزية وأخرى باللغة العربية، كما قدم تسعة وستون بحثا آخر ، وتراوح عدد الحاضرين ما بين 150 و 300 شخص.
افتتح المؤتمر بكلمة ألقاها معالي تان سري داتو نور محمد يعقوب الوزير المالي الثاني وممثل معالي داتك سري عبد الله أحمد بدوي رئيس الوزراء الماليزي في المؤتمر. كما تشرف المؤتمر بحضور وزير التعليم العالي معالي داتك الدكتور محمد صالح، والمفتي العام لسلطنة عمان سماحة الشيخ أحمد حمد الخليلي. تضمنتت كلمة رئيس الوزراء الأفكار الآتية: إن اختيار موضوع المؤتمر اختيار جيد ومناسب نظرا للوضعية المزرية التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم، وإنه لمن المحزن أن يقرن العالم اليوم الفقر والأمية وسوء التغذية والفساد والظلم والطغيان بالدول الإسلامية، مشيرا إلى أن إحصائيات مؤشر التطوير البشري تبين أن خمسة من الدول الإسلامية فقط تتميز بمستوى عالي للتطوير البشري في حين أن تطوير 24 منها معتدل و17 منها منخفض. و بالنسبة لماليزيا فقد انحفضت نسبة الفقر فيها انخفاضا ملحوظا من 50% إلى 5% خلال 30 سنة.
وضمن كلمته الترحيبية، أشار السيد تان سري داتو سري سنوسي جنيد، رئيس الجامعة ورئيس المعهد العالمي لوحدة الأمة الإسلامية إلى أن حكومة معالي السيد أحمد بدوي تركز جهودها للحد من الفقر، وكون فخامته رئيسا لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فإن عقد المؤتمر حول موضوع الفقر قد جاء في حينه. وقال إن الفقر كالحب والألم والمكابدة شعور لا يمكن وصفه بدقة، محيلا إلى نموذج تعامل ماليزيا مع الفقر كإشكالية قومية و تجربة لازالت حية في ذاكرتها.
في نفس السياق، تطرق الأستاذ شكور قاسم في جلسة أقيمت بعد الحفلة الافتتاحية والتي ترأسها الأستاذ عبد الرشين موتن إلى الخلفية التاريخية وأعمال منظمة أمانة الاختيار الماليزية التي تبذل جهدا متواصلا في السنوات العشر الماضية لمساعدة الفقراء على تحسين سبل عيشهم من خلال إرساء برنامج اختيار الدين لإعانة من يظهرون الاستعداد للقيام بمشروعات فعالة بأنفسهم وبغض النظر عن الإثنية أو الدين أو الجنس أو الانتماء السياسي. وأشار المتحدث إلى أن النساء أشد قبولا في البنوك و أكثراستحقاقا للقرض من الرجال لأن نسبتهن بإيفاء الدين 95% ، في حين أن نسبة الرجال 75% فحسب.و قد استشهد المحاضر بصلاحية البرامج لأنها نسخة مطابقة لبرامج مصرف قرامين ببنغلاديش الناجحة والتي تتبعها 35 دولة في العالم منها ماليزيا، وأثناء عرضه ذكر مرارا البروفسور يونس باعتباره مخترع برنامج القرض متوسط المدى في بلده.
من جهته أكد الأستاذ عامر الربيعي أن الفقر ظاهرة معقدة وستبقى معنا من غير حلول، عارضا إحصائية البنك العالمي التي تشير إلى أن الكسب اليومي لحوالي 1.5 بليون من الناس أقل من دولار أمريكي واحد، وأغلبيتهم من الدول النامية. وأنه من المؤسف أن المسلمين يعانون الفقر أكثر من غيرهم حيث لا يتجاوز معدل كسب المسلم سنويا 1200 دولارا أمريكيا مقارنة مع المعدل العالمي 5.200 دولارا و25.000 دولارا في الدول التي تتميز بإيرادات عالية، منبها إلى أن حوالي 500 مليون نسمة بنسبة 40% من المسلمين يندرجون ضمن مجموعة الإيرادات المنخفضة لدى الأمم المتحدة. في حين أشار الأستاذ شاموري سيوار في بحثه إلى أنه لا يوجد نمط عالمي لتوصيف الفقر وتختلف استراتيجيات الحد من الفقر من دولة إلى أخرى.
وأبدى الأستاذ الدكتور عطاء الحق رأيه في المناقشة العامة قائلا إن المستعمرين قد سيطروا على مقدراتنا في الخمسينات و الستينات، وخصصوا أموالا كثيرة للتطور الصناعي، ولذلك اعتمدنا على خبراتهم التكنولوجية وعلى إنتاجهم فأصبحنا عائلين عليهم، مشيرا إلى أن دولا ككوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وماليزيا نجحت بسبب قوة النظام الحكومي والسياسة الحازمة والاتجاهات الإيجابية لديها.
وفي الجلسة العامة تناول سماحة المفتي العام لسلطنة عمان الشيخ أحمد الخليلي في ورقته القيمة الأسباب الفكرية والسياسية والاجتماعية وراء مشكلة الفقر في العالم الإسلامي، كما أوضح بصورة مركَّزة ضرورة معالجة الأسباب السياسية والاجتماعية التي أدت ولا تزال تؤدي إلى انتشار مشكلة الفقر في العالم الإسلامي، وفي الجلسة نفسها، تحدث فضيلة الأستاذ الدكتور علاء الدين خروفة عن ظاهرة الفقر مؤكدا أنها ظاهرة قديمة وحاضرة بالقوة والفعل في جميع المجتمعات الإنسانية، كما أكد أنه طاف بلاد الشرق والغرب، فوجد الفقر حاضرا كما وجد الغنى، وتحدث عن أهمية التكافل والزكاة في محاربة الفقر.
وأما الأستاذ الدكتورة مريم من جامعة الإمام ابن الطفيل في المغرب، فقدمت ورقة علمية هامة عن دور المرأة المسلمة في تحقيق التنمية الشاملة، وحثت على ضرورة مراجعة جملة من المواقف السلبية تجاه مشاركة المرأة في التنمية، كما تحدثت عن العولمة وأهمية الصمود لمواجهة آثارها على الأسرة عامة والمرأة المسلمة خاصة.
وفي اليوم الثاني من المؤتمر، شهد عقد جلسات موازية باللغتين الإيجليزية والعربية حيث قدم 28 بحثا في الجلسة الصباحية، وفي المساء قدم 17 بحثا باللغة الإنجليزية و25 باللغة العربية، منها أربعة بحوث حول قضية بنغلاديش من قبل الدكتور محمد عبد الموحط، الأخ كازي شهادة كبير والأخت سلطانة. تناول الدكتور الموحط أنشطة بنك قرامين وإسهامه في الحد من الفقر وتوظيف المرأة، و اعتبرت الأخت سلطانة أن الفقر في قرى بنغلاديش يعزى إلى النمو العالي لعدد السكان ودرجة الأمية عند النساء وعدم وعيهن ببرامج تحديد النسل، و بالتالي ربطت بين رفع مستوى التعليم عند المرأة والانخفاض في نمو عدد السكان. بينما ركز الأخ كازي على النـزاع الحاد بين آراء منظمات غير حكومية وآراء الجماعات الإسلامية في القرى، ففي الوقت الذي يرى العلماء أن هذه المنظمات غير إسلامية ومعادية للقيم المحلية، تنظر المنظمات نفسها إلى الجماعات الإسلامية على أنها تقليدية وضد التطور وتعارض كل ما تقوم به المنظمات غير الحكومية من أعمال، كما تضمنت مداخلته تقديم بعض الحلول للمعضلة.
وانتقالا إلى الوضع في نيجيريا، أشار الأخ إبراهيم إلى أن سوء التدبير السياسي من قبل الحكومات العسكرية و المدنية انعكس سلبا على المجتمع النيجيري، و برأيه يمكن الحد من الفقر باتخاذ إجراءات إسلامية ذات أبعاد اجتماعية وتربوية كتأسيس منظمات لجمع الصدقات والزكاة والميراث، والتقى معه الأخ نوسيرو في نقطة أن الاهتمام بالتعليم عن طريق المدارس العربية الإسلامية هو أنسب السبل للحد من الفقر. هذا وفي تعليقه على نتائج دراسة الأحوال في ا لسودان التي قام بها كل من الأستاذ كمال صالح، الأستاذ شاموري سيوار، الأخت سامية الشيخ، الدكتور قاروت سليمان والأخ معاوية المقبول، قال الدكتور قاروت إن سبب الفقر المستمر وانخفاض النمو في الدول الإسلامية يرجع إلى النظام السياسي الذي فرضه الغرب على هذه الدول كنتيجة لآثار الاستعمار السابق، وبالتالي على الدول الإسلامية أن تتجه نحو التكامل السياسي والاقتصادي بإقامة الأسواق المشتركة والاتحادات الجمركية، وإنتاج البضائع الرأسمالية والسفن والطائرات واستخدام التكنولوجيا الحديثة حتى لا تعتمد على الغرب في نيل هذه المنتجات ذات الأهمية البالغة. ثم ذكر الأستاذ شاموري في ورقته بأن السودان يقع في الترتيب 139 من 173 دولة الموصوفة بالتطوير البشري المنخفض.
ومن جانبه، تناول الأستاذ عبد الله باريز في ورقته أهمية الدور الأخلاقي في الحد من مشكلة الفقر في العالم الإسلامي، حيث أوضح أن الحد من الفقر ومكافحته بشتى السبل الممكنة يعد ذلك مسؤولية أخلاقية على كاهل الجميع، ولا بد من تضافر الجهود لتحقيق ذلك على كافة الأصعدة.
من جانب آخر، أظهرت نتيجة الدراسة الفريدة التي قام بها الأستاذ جميل عثمان في المجتمع الملايوي – التشامبي في كامبوديا، أن المسلمين فيها يتألفون من سلالة تشامبيي مملكة تشامبا المدونين في وثائق صينية عام 192م، ومن الملايويين المهاجرين إلى كامبوديا من الجزر الملايوية. وقال الأستاذ جميل إنه من الضروري تنفيذ خطوات وتغييرات عديدة بهدف بلوغ التطور الاقتصادي والتعليمي في كامبوديا.
وفي الجلسة الأخيرة التي خصصت عن المرأة المسلمة ومشكلة الفقر، قدمت إحدى الباحثات توصية فريدة في نوعها، وغير مسبوقة إليها، وتتمثل في الدعوة إلى تعدد الزوجات بوصفه وسيلة من الوسائل الناجعة لمكافحة الفقر في العالم الإسلامي، وأوضحت في دراستها أن الفقر يعد أهم أسباب الدعارة في العالم الإسلامي، مما يعني أن معالجة الدعارة تكمن في مكافحة الفقر، كما أوضحت أن عددًا كبيرًا من الرجال الأغنياء بإمكانهم انتشال أسر عديدة من براثن الفقر من خلال الزواج في تلك الأسر. وأوردت الباحثة آثارًا تؤكد على أهمية التعدد ودروه المرتجى في مكافحة الفقر بعيدًا عن الأنانية والغيرة المفرطة التي تتمتع بها السواد الأعظم من النساء اللاتي لا يقبلن ولا يرتضين فكرة التعدد بتاتا!
واختتمت جلسات المؤتمر عند الساعة الثامنة مساء، وحضرها معالي رئيس الجامعة وسماحة المفتي العام لسلطنة عمان، وممثل الندوة العالمية للشباب الإسلامي والمشاركين من الباحثين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وجامعة الشارقة، وجامعة أم القرى، وجامعة زايد، وجامعات بنغلادش ونيجيريا وماليزيا.
وقد تضمنت توصيات المؤتمر الدعوة إلى تأسيس معهد عالمي لمكافحة الفقر، واقترح على حكومة ماليزيا بوصفها رئيس مؤتمر القمة الإسلامي أن تكون مقرا لهذا المعهد المقترح، كما تضمنت توصيات المؤتمر ضرورة الاهتمام والعناية بالتعليم في العالم الإسلامي، وصيرورة التعليم العام الأساس إجباريًّا يلزم به جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن إمكاناتهم المادية، كما أوصى المؤتمر بضرورة مشاركة المرأة المسلمة في التنمية الشاملة للبلدان الإسلامية، واختتم معالي رئيس المعهد تان سري سنوسي جنيد المؤتمر بحثه على المشاركة الجماعية وتبادل الخبرات من أجل مكافحة الفقر في العالم الإسلامي، فالفقر أنى كان يعد عدوا مشتركا للجميع.